السبت، 5 نوفمبر 2011

التنويم الاجتماعي


التنويم الاجتماعي

اختلفت انواع التنويم و تعددت مضامينها باختلاف نظرة الفلاسفة و المفكرين و العلماء لها و منها التنويم المغناطيسي,او التنويم نتيجة اخذ الانسان لعلاج معين ,او التنويم نتيجة التعب لتعرض الفرد ليوم عمل طويل , و التنويم الاجتماعي هو عنوان مقالتنا لهذا الاسبوع و هو من اهم انواع التنويم الذي يتعرض له الانسان الذي ينشأ منذ طفولته في بيئة معزولة, لا يعرف غيرها؛ فان التنويم الاجتماعي يظل مسيطراً على عقل الانسان و هو لا يكاد ينقل ببيئات اخرى حتى يبدأ هذا النوع من التنويم بالانفتاح عنه قليلاً او كثيراً،تبعاً لما لديه من ذكاء و سعة في الاطلاع معرفة بأمور الحياة .
و عندما يكون التنويم الاجتماعي شديداً في الانسان يجعله مؤمناً كل الايمان"بصفة التراثية" التي ينشأ عليها و هي بالنسبة له أفضل التراثيات في العالم و هي الثقافة التي يعيش فيها الانسان, و طريقة الحياة التي يتعرض لها في البيئة التي يعيش فيها, و نعني بالتراثية : هي مجموعة المعتقدات والاعراف و التقاليد و القيم السائدة في مجتمع ما ؛فالانسان تحت تاثير التنويم الاجتماعي ينظر في الامور من خلال التراثية التي نشا عليها و يعدها معياراً للمعتقدات الصحيحة , و الاخلاق الفاضلة .
فشخصية كل انسان هي حصيلة التفاعل بين مجموعتين من العوامل هما :عوامل الوراثة و عوامل التربية , و هي عوامل المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه ,اي طريقة حياة الانسان و ليس في مقدوره ان يصنع شخصيته كما يريد  الا  ضمن نطاق محدود .
الانسان ياخذ صورة عن نفسه افضل من ما هي عليه حقيقتها قليلا او كثيرا ,فهوو يبالغ في ذكر محاسنه و ينسى مساوئه , و هو يفعل العكس من ذلك اتجاه خصومه او منافسيه  و هذا ما يسمى التقوقع            الانوي: و هو كالحسد الذي يختلف  في الافراد شدة و ضعفاً,تبعاً لاختلاف تكوين الشخصية . والحياة الاجتماعية تشبه التمثلية في بعض الوجوه ؛ فكل فرد مكلف بدور فيها و هو يحاول اتقان القيام بدوره بغية الحصول على اعجاب الاخرين او تصفيقهم , و لكن الحياة الاجتماعية تختلف عن التمثلية بان الفرد فيها ممثل و متفرج في آن واحد .
و تلعب القيم الاجتماعية السائدة في المجتمع دوراً مهم في حياة الانسان او التنويم الاجتماعي فهي التي تعين الادوار للافراد فيه.
ان الفرد الذي يوصف بالعاقل عادة هو الذي يملك المقدرة على الانسجام مع القيم الاجتماعية السائدة في مجتمعه وهو الذي يقاوم التنويم الاجتماعي ويتبنى التغير الايجابي ويقبل به ويدافع عنه ويحاول إقناع الآخرين بيه ، أما الذي يوصف "بالجنون" فهو الذي يندفع مع دوافعه اللاشعورية , و رغباته المكبوته دون اهتمام بالناس حوله و ما يقولون عنه رافضا التغير.
الواقع أن كل إنسان لا يخلو من شيء من الجنون ، قليلا أو كثيرا ، فالعقل الكامل لا وجود له بين البشر ،اما الحد الذي يفصل بين العاقل و المجنون فهو امر اعتباري نسبي ، يختلف باختلاف المجتمعات و قيمها الاجتماعية .
ان المجاملات التي اعتاد الناس عليها في حياتهم تؤدي الى تضخيم التنويم الاجتماعي في الافراد قليلا     او كثيرا فهي تجعل الفرد يسمع ما يقول الناس عنه من مديح في حضوره .
بينما هو لا يدري ما يقولون عنه من ذم في غيابه ,و لكن المجاملات مع ذلك لها وظيفتها في الحياة الاجتماعية , فلو عرف الانسان كل ما يقول الناس عنه لضاعت المقاييس لديه , و لما تمكن من القيام بدوره في الحياة.
و قد جرت سنة الحياة ان الانسان لا يقتنع بنصيبه من هذه الدنيا او يسعد به الا نادراً ,لان التنويم الاجتماعي لديه يجعله معتقداً بان نال نصيباً من الدنيا اقل من نصيب الذين هم اقل شأناً منه,وهو بالاضافة الى ذلك ينسى النعم التي حصل عليها في الحياة , بينما يركز نظره على النعم التي عليها الغير .

الدكتور عبد الكريم علي اليماني   
 E-mail:qream-alyamany@yahoo.com


هناك تعليق واحد:

رلى صالح يقول...

صدقت دكتور ...... غالبا ما يكون العرف اقوى من الدين نفسه ومن
الصعب تغيير راي اصحابه

بحث هذه المدونة الإلكترونية

العربية نت

وما نيل المطالب بالتمنى ... ولكن تؤخذ الدنيا غلابا