الخميس، 3 نوفمبر 2011

الإسلام رسالة تربوية


الإسلام رسالة تربوية
رسالة الإسلام هي رسالة الإعداد و التربية و البناء الإنساني القويم ، فهي تستهدف بكل خطوة و فكرة وتشريع بناء الذات و الكيان الإنساني، وتنمية كامل عناصره                        و قواه الخيرة و تُهذْب سلوكه و شخصيته، بحذف و تصحيح كل اتجاه سلبي يظهر على شخصية الإنسان و حياته.

و ما كان الإسلام رسالة تربوية إلا  لأنه رسالة عمل و بناء فعلي، فليس في مجتمع الإسلام أفكار و لا نظريات جدلية مجردة، و ليس من خطته ان يلقي بالوصايا و المواعظ و الإرشادات العائمة، التي لا تجد لها مجالا في حيز التطبيق.

فالإسلام في الفكر و المعرفة الذي يقدمها للإنسان دليل عمل، و منهج حياة ،و تصميم بناء إنساني متكامل.و قد شرع مربي الإنسانية و رسول الهداية محمد صلى الله عليه و سلم بتربية جيل فذّ فريد ، ما عرف الفصل بين العلم و العمل، او التفريق بين الفكر و الممارسة، فقد كان الرسول صلى الله عليه و سلم يربي أصحابه، و يروضهم على العمل والتطبيق كلما انزل إليه آية من الذكر الحكيم.

إن الله انزل رسالة الإسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم لينقذ الناس من الظلمات إلى النور ومن الجاهلية إلى ان يكونوا" خير امة أخرجت للناس " ، و هذه الرسالة تهدف إلى صياغة أناس مسلمين أكثر ما تهدف إلى فرض أحكام على البشر، و إن الله انزل رسالة الإسلام لنفع الناس حيث قال : " وما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون " فان عبادة الله بحد ذاتها ليست إلا منفعة لنا، و الدين ليس مجرد كتابة أو مجموعة تعاليم  شفوية، انه ذلك الكتاب و تلك التعاليم في داخل الإنسان، و ما لم يعتو عقل الفرد رسالة الدين، فإنها تظل مقيمة خارجه بلا مفعول. إن فكرة الله نفسها لا توجد خارج الإنسان، و أنا لا اعني بذلك إن لا وجود لله إلا بوجودنا، فهو دائم الوجود، و لكن اعني إننا لا نعرف بوجوده إذا لم نوجد، و الدين أيضا لا وجود له إلا في داخل الإنسان، إن الدين الإسلامي إذا لم يغرس داخل العقل و يصبح نبراس حياة يبقى مجرد كلمات مكتوبة أو محفوظة و لا يظهر لها من مفعول ينعكس على الأخلاق و السلوك و المعاملات و التعامل بين الناس.

إن للدين الإسلامي جانبا روحانيا عاليا، و اذا كان قد احتوى على جانب قانوني ، يتجمل في قواعد للمعاملات ، فهو دين شامل لكل زمان و مكان يناقش حياة الناس ، ولا يترك صغيرة أو كبيرة و لا شاردة أو واردة إلا يوجد لها تفسير و تأويل يخدم الحياة الإنسانية.

إن اهتمامنا بالجانب الروحي الغالب في الإسلام و انتباهنا إلى أن جوهر الدعوة هو صياغة الإنسان قد يعيننا على إيجاد مسلمين يفعلون في الدنيا و الآخرة ، مؤهلين لاستخلاف الله في الأرض وتعمير الحياة و المشاركة في بناء حضارة الإنسان، إن هذا لا يعني فصل الدين عن الدنيا ،بل يعني تمكين الدين أن يصوغ الإنسان الذي هو أهم ما في الدنيا، و يعني نقل تعاليم الدين من الكتب إلى صدور المؤمنين.
فالأسلام رسالة تربوية، و الذين لم يستوعبوا دروس الإسلام ، وفهموا الإسلام على انه تعاليم قانونية مع إهمال الجانب الأهم فيه، وهو صياغة الإنسان و قواعد لتطبيق معاملاتهم، و بالطبع أمكن لأي من أصحاب المصلحة أن يجد في تعاليم الدين المجملة تأويلا يسعفه لتأييد موقفه و وجهة النظر التي تناسبه، و استخدم البعض من الدين تبريرات للجريمة ، و تسويغا للظلم و تأييد للتخلف، بل انصرف البعض إلى تسخير الدين لخدمة الخرافة و الشعوذة و مطاردة الجن و كشف الغيب و قراءة الطالع.

إن الدين الإسلامي أفضل مكون للضمير الذي هو الرقيب الداخلي للإنسان و رسالة السماء اقدر على صياغة الإنسان كما أراده الله أن يكون، و لعل في تغليب الدور الرئيسي للإسلام على الدور الفرعي ما يهدئ من معارك التناحر و الخصومات بين المسلمين، فالجدل حول قواعد المعاملات محكوم بالمصالح و الأهواء و كل من يدعي حيازة فهم صحيح لقاعدة في القران او الحديث سوف يجد كثيرون يجيزون فهما مختلفا لا يرضاه، و لعله يمكن القول بأنه فضلا عن ان الجانب صياغة الإنسان في الإسلام هو أهم من الجانب القانوني فيه ، فان حاجتنا اليوم إلى صياغة الإنسان المسلم هي اشد بكثير من حاجتنا إلى تطبيق قاعدة تختلف عليها للمعاملات ، و إذا ما جرت صياغة الإنسان المسلم فانه سوف يلتزم بالجانب القانوني في الإسلام، أما بدون ذلك الإنسان فلن نكون لدينا سوى مخلوق نتبارى معه في محاولة منا لفرض القواعد عليه و في محاولة منه للتحليل عليها .

و لقد كان المسلمون يجدون في رسول الله صلى الله عليه و سلم الا نموذج الحي للعقيدة و الرسالة، فهو أول العاملين و قدوة المطبقين، فقد اعد و ربى تربية إلاهيّة كاملة عبر هو نفسه عنها بقوله "أدبني ربي فأحسن تأديبي".

ليكون إلا نموذج الإنساني الأعلى، و الرسالة الحية الناطقة . لذلك كانت سنته تشريعا" ، حياته  قانونا . و قد وصف القران الكريم هذه الصورة الإنسانية الفذة بقوله" و انك لعلى خلق عظيم".
فلذلك وجه القران الكريم اهتمام البشرية و أنظارها للاقتداء بسلوك الرسول و الالتزام بمنهج  حياته:
( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الأخر و ذكر الله كثيرا).فعلى هدى هذه المبادئ و الأسس بني الجيل الرائد حياته فكان الإسلام رسالة تربوية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني و مدلولات .

و  في النهاية تجب الإشارة إلى إن الدعوة إلى إحياء جانب صياغة الإنسان في الإسلام تحتاج إلى قبول سيادة العقل و إطلاق حرية ا لبحث و التوقف عن احتكار حق فهم الدين.
د. عبد الكريم علي اليماني
E-mail:qream_alymany@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

بحث هذه المدونة الإلكترونية

العربية نت

وما نيل المطالب بالتمنى ... ولكن تؤخذ الدنيا غلابا