الجمعة، 18 نوفمبر 2011

القيم التربوية


القيم التربوية

إن التربية نشاط اجتماعي شامل مهمتها إعداد الإنسان الصالح المتناسق جسمياً وخلقياً وروحياً ، واجتماعياً ، والتربية تكتسب معانيها الحقيقية من خلال الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها لكونها وسيلة المجتمع لتأمين استمراره وتطوره ، وبهذا تعكس التغيرات والتطورات التي يمر بها المجتمع وفلسفته وهي تفاعل بـين الماضي والحاضــر( لتكوين جديد للإنسان بوساطة الطبيعة الفطرية مرتبطاً بتـراث الماضي للجماعة الإنسانية فهي عملية مستمرة في تكوين الخبرات )
والتربية في جوهرها قيمة عظمى سواء عبرت عن نفسها في صورة واضحة أم في صورة ضمنية ، فالمؤسسة التعليمية بحكم ماضيها وحاضرها ووظائفها وعلاقاتها بالإطار الثقافي الذي تعيشه مؤسسة تسعى إلى بناء القيم في كل مجالاتها الخلقية والنفسية والاجتماعية والفكرية والسلوكية ، وهي بذلك تهدف إلى غرس غايات وتهذيب عواطف وتنمية إرادات لتجريد الإنسان من أهوائه الدنيا وتحسين كيانه الإنساني في نظرته ونظر الآخرين . فالتربية القيمية هي مسؤولية كل المربين عن الوعي القيمي ورسالتهم هي الأيمان بهذا الوعي والعمل على نشر مفهومه والحث على التقيد بأحكامه لإخراجها من حيز الضمائر إلـى حيز الوجود وتجسيدها في شتى أطوار التفكير والسلوك .
إن وظيفة التربية الرئيسة ، هي تمكين المتعلمين من تنمية شخصياتهم من جميع جوانبها المعرفية والوجدانية والنزوعية متحلية في الإرادة والسلوك في توافق وتوازن وانسجام حتى يبلغوا أقصى ما هو مستطاع من التكامل والصلاح  والعمل لخيرهم وخير مجتمعهم وأمتهم بتلك الدلالات ومحور التربية هو الإنسان بما وهبه الله سبحانه وتعالى من نعمة العقل والاستعداد لتكوين الضمير ، وتفضيله على كثير من خلقه إذ قال جل جلاله :( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)(الإسراء /70 ).
والتربية نافعة بالمعنى الواسع في النفع الذي نعني به حياة الإنسان بجوانبها الروحية والفكرية والخلقية والمادية ، إذ أكد القرآن الكريم هذا النفع للتربية السليمة القائمة علـى مراعاة الفطرة التي فطر الله الناس عليها إذ قال تعالى : ( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فََلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى*وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا)( طه /123ـ124).
والتربية التي تضطلع بهذه المهام تعكس فلسفة المجتمع وطبيعة ثقافته وهي تختلف من دولة إلى أخرى ، ومن أمة إلى أخرى لاختلاف طبيعتها وتراثها وامتدادها الحضاري ، ومراحل تطورها وخضوعها لتطورات المجتمع بتقدمه أو تخلفه وانعكاس أوضاعه وظروفه وطبيعة نظامه وفلسفته السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
والتربية العربية الإسلامية تعنى بغرس وتنمية خصائص في الشخصية العربية ، ولعل من أهمها التمسك بالقيم الروحية والخلقية فضلاً عن حرية الفكر والانفتاح على المصادر المختلفة للثقافة وأن تنمي في الفرد قدرات ومهارات واتجاهات معينة مثل العمل بروح الفريق ( الجماعة ) وتغليب المصلحة المشتركة ( الإيثار ) وكذلك أهمية العمل .
أن أهــم ما يميز وطننا العربي كونــه مهد الديانات السماوية وما حملته من قيــم روحية نشأت فيه فدافع المجتمع العربي عنها وحافظ عليها إدراكاً منه للبعد الإنساني الــذي طبــع رسالتهم فــي الحياة وبهذا الصدد قــال سبحانه وتعالــى:( كُنْتُمْ خير أمة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ ) (آل عمران /110) .
ومجتمعنا العربي الإسلامي عريق بتمسكه بالقيم الروحية الإسلامية واستطاع المحافظة عليها، أيمانا بأن القيم النابعة من الأديان قادرة على هداية الإنسان وعلى إضاءة حياته بنور الأيمان.
إن الإسلام أهتم اهتماماً كبيراً بالقيم الأخلاقية إذ جعل من أهدافه الرئيسة العناية بخلق الإنسان وتنميته ليصبح جزءاً من شخصية الأمة ( صورة الإنسان المسلم ) وهذا هو من أهم العوامل التي حفظ الأمة العربية من التدهور والانحلال الخلقي الذي تعاني منه المجتمعات والحضارات المتقدمة المعاصرة إذ يسود ضياع القيم الأخلاقية والتي تتجسد في فقدان الأسرة شكلها الطبيعي و من مظاهر التأزم الخلقي والنفسي  ، بل أصبح عدم الالتزام القيمي مشكلة سادت الكثير من البلدان: حيث أن ( بعضا ) من المسلمين نسوا دينهم وهجروا قرآنهم ، وصاروا يقلدون الغير ويتسترون وراء عقائد ومبادئ متطرفة وخاطئة تصلح لبيئة غير بيئتنا وقد فات هؤلاء المسلمون إن في القرآن الكريم كنوزا من المعرفة والحكمة الإلهية ا تجعله أعظم كتاب في فلسفة التربية والتعليم  حيث أصبحت الكثير من العادات ونماذج السلوك الغريبة عن مجتمعنا تنتشر وتغطي بل وتلغي الكثير من القيم والعادات ونماذج السلوك التي تناقلناها عن الأجداد مما يمكن أن يعرض المجتمع إلى الخطر بسبب ما يمكن أن يحصل له من ضعف وتفكك يضعف صلته بجذور ماضيه المشرف وبالتالي التخلي عـن تحقيق أهداف المجتمع العليا باستعادة مجـد الأمة ودورها في الحضارة الإنسانية .
الدكتور عبدالكريم علي اليماني .  
                Email:qream_alymany@yahoo.com
                                                     

ليست هناك تعليقات:

بحث هذه المدونة الإلكترونية

العربية نت

وما نيل المطالب بالتمنى ... ولكن تؤخذ الدنيا غلابا