الجمعة، 8 مارس 2013

الفلسفة العربية المقترحة النظام التربية والتعليم في الأردن ( 1 )




 https://encrypted-tbn1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcRtKwbheBzv2o1IE3fta7WQdMc8RcFvsbGnOLwRqt9f-tdO9XbI
الفلسفة العربية المقترحة النظام التربية والتعليم في الأردن ( 1 )
تتعرض الفلسفة اليوم في الوطن العربي والإسلامي خاصة وفي العالم الثالث عامة لحملة تهوين يقودها البعض ضدها باسم الفاعلية العلمية والتكنولوجية والتقنية تارة وباسم عدم جدوى كل تأمل نظري تارة أخرى . 
والهدف الأساسي من محاربة الفلسفة لأنها مؤثرة وخطيرة تدفع إلى التساؤل وتتطلب الوضوح في كل شئ والتساؤل يدفع إلى الحوار ، والحوار يدفع إلى الطرح الموضوعي للقضايا والمشاكل والطرح الموضوعي لها يدفع إلى مواجهتها بأسلوب منهجي ، والمنهجية اعمق ثورة عرفتها الإنسانية إلى اليوم لأنها الوحيدة القادرة على تعليمها شيئا جديدا ( 90 : 17 ) ولكن أولئك الذين يحاربون الفلسفة يتناسون عدد من الحقائق منها أن الفلسفة ليست لهواً أو ترفا فكريا كما يتوهمون ولكنها نظرة أصيلة للواقع ودعوة ملحة لتغييره ولان الفلسفة كذلك ارتبط ازدهارهـا بازدهار الشعوب وانحطاطها بانحطاطهم . فلم يسجل التاريخ أن أمة واحدة من الأمم استطاعت أن تحقق تقدمها العلمي قبل أن تحقق تقدمها الفلسفي . ان أثينا عرفت سقراط قبل ارخميدس والعرب المسلمون عرفوا الكندي والفارابي وابن سينا قبل أن يعرفوا ابن الهيثم والخوارزمي والبيروني ، وأوربا عرفت ديكارت وبيكون قبل أن تعرف ( لابلاس ) و ( فارادي ) ( 90 : 17 ) وبذلك نستطيع القول بان الحاجة ملحة إلى وجود فلسفة من اجل التماس حقائق الواقع والحياة ، فلسفة عقلانية ،  نقدية ، تنويرية ، تثويرية ، ولعل أهم ذلك قدرتها على التطبيق والتجديد والتغيير نحو المجال الذي يوسع فضاء الحرية والعدل والأمل في علاقة الإنسان بنفسه ومحيطه البشري والكوني .
وان ابتعاد الفلسفة عن حاجات الإنسان الفكرية والروحية والمادية يفسح المجال واسعا لسيادة شكلين من الخطاب ، أما الخطاب الأيديولوجي السياسي الرسمي أو الخطاب الشعبي العاطفي الأصولي وهذا ما هو مهيمن ألان في حضارتنا العربية ( 181 : 38 ) كانت حضارة أصيلة ، ونماء حقيقيا وتطورا رصينا ، وبدون هذه الفلسفة لن يتم استشراق آفاق جديدة مستقبلية وتبقى الآمة في حالة جمود وغير قادرة على التغيير .
وقبل الولوج إلى مستقبل فلسفة التربية كان لزاما على المؤلف أن يتعرف على علم المستقبليات إذ أن الدراسات المستقبلية لم تكتسب معناها الاصطلاحي علميا ألا في أوائل القرن العشرين على يد عالم الاجتماع س. كولم جيلفان الذي اقترح عام 1907 إطلاق اسم ( ميلونتولوجي ) على حقل الدراسات المستقبلية وهي كلمة ذات اصل يوناني معناها أحداث المستقبل لكنها لم تحظ بالانتشار أو القبول في الأوساط العلمية الا أن المؤلف الألماني . ( أو سيب فلتختايهم ) قد توصل إلى اصطلاح بديل ( futurology  ) وهو الاسم الشائع لهذا المجال باللغة الإنكليزية . اما الاصطلاح الفرنسي لعلم المستقبل فهو (prospective ) الذي ابتكره جاستون برجيه عالم المستقبليات الفرنسي ( 322 : 11 ) واستخدم مصطلح علم المستقبليات في كل محاولات التنبؤ الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والعسكري والعلمي والتكنولوجي ، ومصير موضع الأرض من الكون ويتميز هذا الفرع عما يعرف بالتوقعات التي تصبح جزءا مهما من المستقبليات كما تختلف المستقبليات من تاريخ المستقبل . وان مصطلح المستقبليات ( futurism (  لم يكتسب بعد المعنى المعاصر بان الدراسة المنظمة للمستقبل ، ولكنه اشتق من الحركة التي بدأها مارينيتي Marinetti عام 1913 والتي حاولت تحطيم الماضي في الفن ودعت إلى الحركة والفعل والعنف والمستقبل ( 368 : 2 ).
وكلمة المستقبل ( Future ) شأنها شأن غيرها من المصطلحات ، وهي رمز يشير إلى الظاهر ، ولعل أهم الظاهر أدراك الزمان إدراكا يوجهنا نحو الغد ما ينطوي عليه من تغيرات وأحداث نستطيع تصورها وما زالت الدراسة المستقبلية مسعى علميا حديث العهد نسبيا . وعلى الرغم من تعدد الرؤى والمناهج فهناك اتفاق على انه ليس هناك مستقبل واحداً اوحد ، بل هناك عدة مستقبلات بديلة أو محتملة ، ولذا فانه من طباع الأمور ، أن تعدد القراءات الاستشرافية للمستقبل ، واستشراف المستقبل هو جهد استطلاعي يتسع لرؤى مستقبلية متباينة بين الأشياء والنظم والاتساق الكلية والنوعية في عالم يموج بالحركة ، ويتصف بازدياد درجة عدم اليقين ولذا فان الخطـاب الاستشرافي له طبيعة معرفية خـاصة ، فهو خطاب احتمالي بالضرورة يتضمن تعيين المسارات الحرجة للمستقبل ( 67 : 174 ). ان العلاقة بين الحاضر والمستقبل هي علاقة جدلية ، تركيبية تأليفية بالضرورة لذا علينا أن نتمعن جيدا بقراءة طبيعة الحياة المعاصرة ، إذ نرى أن شعوب العالم تستوعب كلا من اللحظة الحاضرة والرؤية المستقبلية ، وتكاد تستوي في ذلك الشعوب المتقدمة والشعوب النامية التي تجاهد من اجل النمو والتقدم وان اختلف الهدف  بينها من وراء الاهتمام بالمستقبل ، إذ تكشف لنا أن اهتمام الدول المتقدمة ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية بالمستقبل هو لغرض سياسي منه السيطرة على الدول النامية .  
ومما لاشك  فيه أن  للتربية والتعليم دورا مهما ورئيساً في التنمية الشخصية والاجتماعية للإنسان الذي ينخرط في بناء نسيج اجتماعي اقتصادي لتكوين يوتوبيا التنمية البشرية المستدامة الأكثر انسجاما ودعما وعمقا مع تحديات العولمة للحفاظ على الهوية والتراث الإنساني إذ تتفاعل إيجابيا مع التنوع الثقافي والحضاري للإنسانية جمعاء ، كما أنها اكثر انسجاما وعمقا لحسر نطاق الفقر والتعصب الديني والمذهبي والإقليمي والتهميش والجهل والقمع والتوتر والحروب .
أن التغييرات ، تجري بأسرع مما نتصور ، وهو ما يتطلب منا جميعا وضع سياسات وإستراتيجيات تربوية جريئة تتحلى بالمرونة والاستجابة السريعة ، نحو تجديدات تربوية تتجاوب مع المستجدات باستمرار كي يستطيع العقل البشري معالجتها بكفاءة عالية لمواكبة قطار الركب الحضاري وهناك عدد من المشاكل وتوترات ستظهر مستقبلا وان ظهر بعضا منها في الأفق وهذه المشاكل هي :
1-    التوتر بين الهوية والعالمية : إذ كيف تحافظ على الجذور والأصول في عالم الاتصال وسوق الاقتصاد الحر مع استمرار المشاركة في عالمية الإنسان .
2-             التوتر بين المحلية والعالمية : فهناك خصوصيات اسرية واجتماعية ، فهل ستفجر أمام تيار عالم بلا حدود
3-    التوتر بين التراث والحداثة ، وكذلك بين الأصالة والمعاصرة ، وكيف يمكن الدخول في خضم التغيير ومجاراة الركب الحضاري العالمي وتكنولوجيا المعلومات والانترنيت بلا تنكر للذات .
4-    التوتر بين خطط متباينة المدى ، فالجماهير التي تتوجه إلى صناديق الاقتراع تريد حلولا آنية غير مستعدة للانتظار ، فهل يكون ذلك على حساب التخطيط البيئي والتنمية المستدامة .
5-    التوتر بين تكافؤ الفرص والمنافسة ، ذلك أن الضغوط التي تولدها المنافسة المحتدمة تجعل مخططي السياسات يغفلون أحيانا عن الجوانب الإنسانية والاجتماعية .
6-     التوتر بين زخم المعارف وثورة المعلومات واستيعابها : وهذا تحدٍ كبير أمام الأساليب التربوية والتعليمية للتركيز على المفاهيم وتنمية المهارات وكيفية الوصول إلى المعلومات واستخدامها على افضل الأسس
7-    التوتر بين الروح والمادة : ففي عالم تسوده المادة وسوق الاقتصاد الحر والعولمة سيكون العالم متعطشا إلى مثل وقيم أخلاقية ، وهنا يبرز التحدي الكبير للنظم التربوية في تحفيز الفرد على وفق تقاليده ومعتقداته في احترام التعددية التي يعتمد بقاء البشرية على صونها واحترامها .

وأمام هذه المشاكل وغيرها كان على الباحث أن يضع لمسات لفلسفة تربوية عربية للنظام التربوي الأردني تستطيع مواجهة التحديات والتغييرات والمشاكل المستجدة في عالم متغير متسارع ، وبعد أن قدم الباحث في فصول أطروحته التي تضمنت في الفصل الثاني منها الفلسفة التربوية في الفلسفات الوضعية وفي الفصل الثالث الفلسفة التربوية العربية الإسلامية في ضوء القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ونماذج من السلف الصالح ( ابو حنيفة والغزالي وابن رشد ) اما الفصل الرابع فاختص بالفلسفات التربوية المعاصرة المقترحة ومنها ساطع الحصري ، زكي نجيب محمود ، عفلق ، والجمالي ، النوري وعبود ، وبركات ، الدايم ، الجعفري ، والعسكري ) .
وبعد دراسة معمقة لكل ذلك يستطيع أن يتوصل إلى وضع مقترح لفلسفة تربوية عربية للنظام التربوي في الأردن .
                                       د . عبد الكريم علي اليماني 

ليست هناك تعليقات:

بحث هذه المدونة الإلكترونية

العربية نت

وما نيل المطالب بالتمنى ... ولكن تؤخذ الدنيا غلابا