السبت، 25 يناير 2014

القيم التربوية والأخلاقية بين القرآن الكريم والسنة النبوية




 

القيم التربوية والأخلاقية بين القرآن الكريم والسنة النبوية


إن الإسلام قرآناً وسنة قدما للإنسانية نظاماً تربوياً أخلاقياً عملياً شاملاً  هدى ورحمة للعالمين، ففي آداب الإسلام وأخلاقياته ومعنوياته ما يقوم دستوراً للحياة في كل صور الحياة وأسماها، وللحضارة في أرقى ما تصل إليه الحضارة يصوغ المعاملات والعلاقات الاجتماعية والسلوك الإنساني على الحق والخير ولا يضع قيوداً على الضمير أو يحول دون تقدم الفكر، ولا يكبل الإنسان بالزهد والتقشف، ولا يرضى أن يسلم نفسه للترف والمتاع ، بل كان بين ذلك قواماً  يدعو إلى التأمل والنظر في خلق الله، وإمعان الفكر ليسمو العقل إلى حقيقة الكون والكشف عن أسراره .
ويعد القرآن الكريم المصدر الأساسي لتعاليم الإسلام وأحكامه وقيمه وتوجيهاته ، وهو صالح لكل زمان ومكان، وهو لم يترك من صغيرة ولا كبيرة من الأصول والأسس والمبادئ التي تفيد الإنسان وتنفعه في حياته وأخرته إلا تضمنه وأشار إليه بشكل مباشر ، فالقرآن الكريم هو حبل الله المتين ليس بفلسفة ولا نظرية، لذا فــهو مصدر صالح يمكن المسلمين أن يشتقوا منه أسس ومبادئ وفلسفات ونظريات حياتهم، بما فيها فلسفتهم التربوية الأخلاقية ونظامها التعليمي .
أن المؤلف الذي يسير غور الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الطاهرة ويستقرئها يجد ذخيرة وفيرة من القيم التربوية والأخلاقية التي تنظم علاقة الإنسان بربه من جهة ومع بقية أفراد المجتمع من جهة ثانية.
ولذا نجد أن المنظومة القيمية التي أرست دعائمها العقيدة الإسلامية مرتبطة ارتباطاً قوياً بالأيمان بالله ، وعليه فأن التربية التي يدعو أليها الإسلام هي تربية خلقية تسعى إلى بناء الإنسان بناءاًَ خلقياً سليماً وتجعله يعود إلى ذات نفسه والى القيم الخلقية التي يلتزم بها في جميع أنماط سلوكه مثل الصدق، والأمانة والعدل، والرحمة، والحلم، والحرية وغير ذلك من أمهات الفضائل الإسلامية  والمرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحقيقة الأيمان.
أن ربط التعليم بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية الطاهرة، يساعد على إبراز العلاقة التي تربط الدين بواقع الحياة وبمشاكلها ومناشطها، ويقوي لدى الناشئة الشعور الديني وروح الفخر والاعتزاز بدينهم وتراثهم الإسلامي أن القرآن الكريم كتاب للإنسانية، فهو كلام الله ووحي سماوي وليس من إبداع الفكر الإنساني، وهو كتاب يقدسه ويحترمه جميع المسلمين.
وهو مصدر الأخلاق وميزان القيم، فالأخلاق الفاضلة وسيلته وغايته في تحقيق سعادة الفرد والمجتمع، وتقوية العلاقة بين الفرد وربه.
أن قيم المجتمع الإسلامي تنبثق من مصدرين أساسين هما: كتاب الله وأحاديث وسنن الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم ) ،والحقيقة أن الفلسفة الأخلاقية في منظور الإسلام  ذات شقين هما .
1. الشق النظري: الذي يحدد الإطار الفكري أو ما يصلح تسميته بالنظرة الأخلاقية كما تبدو في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
2. الشق العملي: وهو الذي يبين ممارسات العملية الأخلاقية في عالم الواقع، أي أن الإسلام قدم مبادئ أخلاقية عامة تألف فيما بينها لتكون في مجملها نظرية تشكل القاعدة الأساسية لكل الممارسات العملية. ولم يبقى جانب من جوانب الحياة الإنسانية إلا وقد صيغ في الإسلام صياغة أخلاقية: الجانب النظري والجانب العملي، العقائد والعبادات والجانب الاجتماعي إلى غيرها من الجوانب ذات العلاقة بالإنسان، وجعلت تلك الجوانب كلها بشكل متكامل، فلا تبقى قضية من قضايا الإنسان إلا وقد بين له ما ينبغي أن يفعل فيها، وما هو ألا عدل ولأقوم؟ أن تلك القضايا صيغت من أجل بقاء الإنسان في دائرة مكارم الأخلاق مجتنباً سيئها، مقبلاً على طيبها  لقد ربط الإسلام ربطاً محكماً بين العقيدة ، والعبادات والأخلاق ، فالعقيدة الصحيحة لا بد تعبر عن نفسها في العبادة الخاشعة الصادقة وهذه لا بد أن تؤدي إلى ممارسة عملية للفضائل الأخلاقية .
أن أهم ما يميز القيم الإسلامية بشكل عام والقيم الأخلاقية بشكل خاص ، ربط العقيدة بالعمل والقول بالفعل ، والنظرية بالتطبيق، ولا قيمة لأيمان لا يتبعه عمل صالح يبرهن على صحته .
فالأيمان هو أساس الأخلاق الفاضلة ، وهو المعين الذي تنهل منه الأخلاق الإسلامية، والأيمان لا يكون أيماناً حتى ينبع من القلب والضمير عن رضي خالص، ولا خير في كلمة ينطق بها اللسان زوراً ويكفر بها القلب، فذلك هو النفاق الذي يعده الإسلام شراً من الكفر الصريح .
ولذا فالأساس الأول في القرآن الكريم هو الأيمان بوجود آله واحد، فرد صمد لا يشاركه في ملكه أحد يتصف بصفات الكمال جميعها، وله الأسماء الحسنى، والإسلام حدد معالم الأيمان تحديداً دقيقاً لا يقبل التعطيل والتشبيه  وحدث ذلك في الأديان الأخرى التي سبقت الإسلام، التي كانت تؤكد توحيد الربوبية، الذي يعبر عن توحيد العبادة أي عبادة الخالق وحده لا شريك له، في الأنداد والأوثان والأشخاص .
فجوهر الأخلاق في الإسلام يقوم على الأيمان بالله وحده لا شريك له وبما أمر به تعالى من قواعد لأدب النفس وقواعد السلوك للفرد والجماعة. فالأيمان بالله يتضمن بكل ما جاء به ، وحين ينبع الخير من ضمير المؤمن ويتجرد من كل نوازع الأنانية وحب المنفعة وغرائز الشر الكامنة في النفس البشرية، يكون الدين سياج الأخلاق .
أن القرآن الكريم حينما يربي الإنسان أخلاقياً ، فأنه يضع الإنسان أمام نفسه ، مبيناً ما فيها من دوافع الخير ما يدعو إلى الطاعة وعمل الصالحات ، وفيه من دوافع الشر ما يحركه إلى العصيان والتمرد وارتكاب السيئات، وأن للإنسان الإرادة والحرية والعقل ما يحميه من الوقوع في مهاوي الشهوات، والله منحه العقل وبه كرمه على سائر المخلوقاتوالقرآن ربى الإنسان المسلم على العفة والنزاهة والشرف ومراقبة الضمير ورباه على تحمل المسؤولية والحرص على الأمانة والوفاء، وعلى التزام المنطق في القول، والصدق في الكلمة، والموضوعية في التفكير (لقمان، 1999: 17)، والى كل السلوكيات الأخلاقية آنفة الذكر التي أمر بممارستها أو نهى عنها، قد رسم الدين الإسلامي للفرد أسلوب سلوكه الفردي ليتمكن من تحقيق صالحه العام به، ولذا رغب إليه أن يكون سلوكه مهذباً في تعامله العام مع الآخرين مبتعداً عن إيذاء نفسه أو غيره .
أن هذا المنهج الإسلامي الرفيع الذي سماه القرآن الكريم فطرة الله قال فيه عز من قال (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)( الروم/30) .
والله سبحانه وتعالى قد خلق الإنسان مفطوراً على الخير ونتيجة لهذا الخلق  فأنه بين له طريق الخير وطريق الشر وأنه سخر له ما في السموات والأرض قال تعالى (وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا)(الكهف/29) ،  فالأيمان بالله الواحد الأحد، الخالق لجميع المخلوقات، يستلزم طلب المنافع من علوم شريعة وعلوم كونية، والعلم النافع بدوره يدعو للأيمان ويعززه بالنظر في كتاب الله المقروء وكتاب الكون المنظور، وكتاب الله الناطق الذي هو رسول الله والأيمان الصادق يحفز للعمل الصالح والإنتاج المفيد، وإتقان العمل، كما أن العمل الصالح يعزز الأيمان الراسخ وهو ثمرة من ثمرات الأيمان الصادق والأيمان الصادق يستلزم الخلق الحسن، كما أن الخلق الحسن ثمرة من ثمرات الأيمان الصادق، والأيمان يدعو إلى التعاون على الأثم والعدوان، والتعاون الجماعي على الخير يعززه أيمان الفرد ، ويحفظ بيئتها الاجتماعية طاهرة نظيفة .
فالأيمان بالله يعد الركيزة الأساسية في النظام القيمي الأخلاقي الإسلامي، وهو القيمة الأعلى والأسمى، التي تنبثق القيم الأخرى عنها، ولا بد لهذا الأساس حتى يكون له ثمره أن يوافق الاعتقاد القلبي به السلوك العملي، أو العمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر كما عبر عنه القرآن الكريم(الجمالي،1966 34).
أن الأيمان والخلق والعلم كلها تشكل وحدة مترابطة متفاعلة في المنظومة القيمية التربوية القرآنية، فالأيمان هو أساس الأخلاق، وهي أساس العلم الصحيح  والعلم الصحيح هو أساس العمل الصالح، هذا هو البناء القيمي التربوي الأخلاقي الإسلامي، فكل أقسامه مترابطة متراصة متشابكة محكمة، وأن رؤية هذه الارتباطات هي الأساس في تفهم المنظومة القيمية التربوية الأخلاقية القرآنية (حسان ، 1980: 228).
1.لقد أكد القرآن الكريم على أربع قيم أساسية هي: العلم والعمل والتقوى والعدالة (فرحان وتوفيق،1988: 3)، فالعلم في الإسلام يستمد أصوله من ذات الله وصفاته، فهو العلم بحقيقة الوجود، وبحقيقة الإنسان. فالإسلام بحكم مصدره يسلم بأن الوحي مصدر أساسي للمعرفة ويؤكد على ضرورة المعرفة وأهميتها فهي من الإنسان تحتل مكان الرأس من الجسد ، والعلم واسطة لمعرفة الخالق ، كما أنه واسطة لمعرفة الأشياء والقوى الطبيعية واستخدامها في مصلحة الإنسان والقرآن صريح في كل ذلك قال تعالى (يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)(المجادلة /11) ، والعلم وليد عقل الإنسان ، وثمار العلم من صنع يديه ، ولا وجود للعلم إلا بالعقل . وأن المعرفة في القرآن الكريم على صنفين : الأول المعرفة الخارجية وهي أن تنفذ إلى فكر الإنسان من العالم الخارجي وهي مكتسبة ، والثانية القدرة الذاتية ، وهي فطرية، عن طريقها يستطيع الإنسان أن يجوب آفاق الكون باحثاً وساعياً وراء المعرفة وأنها ممكنة وليست مستحيلة (إسماعيل وآخرون، 1981: 129).
أن العلم والتفكير وأيقاظ الوعي واكتساب العبرة طريق الأيمان، وأن الأيمان هو المحرض والموجه لاكتساب العلم والمعرفة ، حتى أننا لنستطيع أن نقول: بأن الإسلام جعل الأيمان علماً والعلم أيماناً(مسعود، 1976: 15)  وعليه تعد الأخلاق جزء من المنهج التربوي الأخلاقي القرآني، ويشمل العلوم الدينية والدنيوية لأن العلم طريق الإنسان إلى الأيمان والعمل(مرسي،1988: 380) .
2.لقد رسم القرآن الكريم صورة مشرقة مميزة لسمات علماء توصي بما يصنعه العلم في قلوب أصحابه وسلوكهم ، فيملأ قلوبهم خشية ورجاء ، ويفيض على جوارحهم طاعة وعبادة قال تعالى (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)( الزمر/9). .
ومن هنا فأن الإسلام سعى إلى تربية الإنسان المسلم تربية خلقية وعقلية تستمد أهدافها من قيم العلم والمعرفة والحق والخير(المليجي،1985: 72).
لقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان على هيئة مطبوعة على عمل الخير، وكرم الإنسان على سائر المخلوقات، بل سخر كل المخلوقات للإنسان وفق سنن وقوانين قال تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ*ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ*إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)(التين/4-7).
أن العمل الأخلاقــي بمعناه الأخلاقي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (حسان،1983:193) والعمل في القرآن الكريم هو نشاط متعدد الأوجه في صوره، قد يكون "  ذهنياً " وقد يكون " حركياً "  وقد يقوم به أفراد أو جماعة، امرأة أو رجل  والعمل واجب وتكليف وفيه فائدة للفرد والمجتمع، يتراوح في أغراضه بين قضاء الحاجات الأساسية للإنسان وإقامة الفرائض والعبادات وعمارة الكون (حسان، 1983: 194) .
قال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) ( ال عمران/110)، وهي آية جامعة للأخلاق السامية   فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأيمان بالله ، هي ثلاثة قوام للأخلاق الإنسانية  فإذا ترجمناها إلى واقع الحياة ومحسوسها ، أسعفنا القرآن بتفصيلها في كثير من آياته القرآنية(النجار، 1976: 16) .
تحتل قيمة العمل في القرآن الكريم منزلة عالية في كثير من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية ، والتربية الأخلاقية القرآنية عملية لا تكتفي بالقول فحتى العبادة وتأدية أركان الدين الإسلامي الخمسة فأنها جميعاً يعبر عنها بالسلوك العملي ، فالشهادة وإقامة الصلاة والحج وأداء الزكاة وصيام رمضان جميعها تتطلب سلوكاً عمليا(التكريتي،1996: 370). ولذا فأن أنماط السلوك الخلقية لا يعتريها التغير ، لأن مصدرها وميزانها ثابت . وعلاقة الإنسان المؤمن بالله تتمثل في اتجاهين ، الاتجاه الأول يتمثل في أيمان الإنسان واعتقاده في الله وعلاقته به . وهذا اتجاه شخصي ، فكل إنسان تربطه بالله علاقة ما ، والاتجاه الآخر سلوكي يتمثل في ممارسة الإنسان المؤمن لأركان الإسلام الخمسة . فالقرآن الكريم جاء بالفرائض الخمسة لتربية الإنسان المسلم وتغذيته باستمرار غذاءً روحياً ، فالصلاة تربية الإنسان روحياً وخلقياً وتربط بين والإنسان  وخالقه وتعلم الإنسان على ضبط النفس والصبر والمثابرة والمحافظة على المواعيد ، كما أن الصيام تربية روحية للفرد فهو يعلم الإنسان المسلم طاعة لله والالتجاء إليه وفيه تربية خلقية إذ يعود الإنسان على ضبط النفس مما يعلق بها من شهوات ، وأن حج البيت الحرام فيه تربية روحية وتربية ثقافية وإنسانية وتربيـة اجتماعية وتربية أخلاقية (الجمالي ،1966: 77-78)، قال تعالــى ( ..وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)(ال عمران/97).
فحق الله أن تؤمن كما أمر صلاة وصياماً وزكاة وحجة وذكراً ودعاءً ، وحكم الله أن تسلم له حكمه متى تأكدت أن حكمه ، وحق الله لا تأكل مالا إلا حلالاً ولا تكسب إلا حلالاً ، وأن تؤدي الحقوق كلها لأصحابها وأن تعمل هذا كله لله وحده لا تبتغي بذلك إلا رضوانه وجنته(حوى والفالوجي،1979: 302).
أما التقوى فهي الفضيلة الدينية الأسمى والقيمة ألا شمل التي أراد بها القرآن الكريم  ( أحكام ما بين الإنسان والخلق ، وأحكام ما بين الإنسان وخالقه ) ولذلك تدور هذه الكلمة ومشتقاتها في أكثر الآيات الأخلاقية والاجتماعية ، والمراد بها أن يتقي الإنسان ما يغضب ربه ، وما فيه ضرر لنفسه أو لغيره , والتقوى في أصل معناه جعل النفس في وقاية ، ولا تحصل النفس من وقاية إلا لمن يخاف .، فخوف الله أصلها ، والخوف يستدعي العلم بالمخوف ومن هنا كان الذي يعلم الله هو الذي يخشاه وكان الذي يخشاه هو الذي يتقيه (طبارة،1959: 176) .
أن التقوى هي الوعي الدائم بوجود الله مع الإنسان ، وأنه لا يفارقه في أي وقت ، وعليه فمن غير الجائز للإنسان ، أن أحب الله وأتقاه ، أن يصدر عنه فعل لا يرضاه الله ، لأن محبة الله وتقواه هما حارسان دائمان لأخلاق الإنسان المؤمن ومواجهان لهما باستمرار نحو الخير والفضيلة (الجمالي،1966: 134) .
والتقوى في الاجتهاد الإسلامي هي معنى قلبي ينشأ عن طاعة الله إئتماراً  فيكون واعظاً ، وعن طاعته انتهاء ، فيكون زاجراً ، وبفضل هذا الوعظ القلبي والزجر الباطني ، يتطلع المتقي إلى مراقبة أفعاله وإتقان عمله . وعلى هذا تكون التقوى " هي أم الفضائل الإسلامية " ، وتقابل " الهوى " الذي هو أساس الرذائل بعد أن كانت الحكمة النظرية عند اليونان هي رأس الفضائل ، وتقابل عندهم " الشهوة " التي هي رأس الرذائل (طه، 1993: 415) .
أن القيم التربوية الأخلاقية هي مناط رقي الإنسان وفلاحه وهي عنوان إنسانيته وأن التقوى الحقيقية للأمم تتمثل بالقوة الأخلاقية ، وهكذا يتضح لكل ذي بصيرة أن المجتمع الإسلامي هو مجتمع الخلق القويم والأخلاق الفاضلة ، مجتمع دعائم وجودة المنظومة القيمة التربوية الأخلاقية القرآنية وما يتفرع منها من آداب السلوك والتصرف وأصول اللياقة والتهذيب والأخلاق الإسلامية تتنزه بها الحياة عن الدنايا والشرور ، ويستقيم عليها أدب النفس وأدب السلوك ، فالقرآن الكريم حافل بما تتحلى به النفس من القيم التربوية والأخلاقية ، وبما يجب أن يكون عليه سلوك البشر ، وبالنهي عما يجترح من هذه القيم أو ينال منها يتطاول عليها أو يخدشها(النجار، 1976: 25).
ومن هنا نجد ذلك الاهتمام الواضح في كل من القرآن الكريم والسنة النبوية الطاهرة بالتصدي لكل مظاهر التفسخ الأخلاقي والاجتماعي والانحراف الشخصي ، ومجابهته بكل الوسائل المتاحة والسعي إلى إشاعة أسس الخير والتعاون بين أفراد المجتمع ، لأن القرآن الكريم لم ينزل إلا من أجل أعداد الإنسان أعداداً ذهنياً وعقلياً وخلقياً ، يكون الإنسان به قادراً على التأمل والتفكير والتدبير(مسعود، 1999: 25) .
إن بناء أخلاقيات الإنسان وتشيدها روحياً وبناء علاقاته الاجتماعية لا تقوم بالوعظ وحده بل يحتاج إلى أفعال يمارسها الإنسان لتتكون أخلاقه عملياً وليبني علاقاته مع بني البشر بالواقع ، فتعويد المرء على النظام في الحياة وعلى ضبط النفس ، وعلى الحياة الاجتماعية التعاونية وعلى التضحية في سبيل المجموع كلها تتطلب مرانا وممارسة يومية تلازم حياة الإنسان (الجمالي،1966 : 77)  وعليه فالتربية الأخلاقية الإسلامية هي تربية عملية ادائية تتحول بها الكلمة إلى عمل بناء أو خلق فاضل (أبن كثير ، 1994: 16/214) .
أن الإسلام تشريع لهداية الإنسان ، هداية ترتفع به ليرى نور الحق ونور الجلال في الله وحده ، " لا أله ألا الله إلا هو الرحمن الرحيم " وهداية تصله بالأرض التي يعيش عليها ليستقيم حياته على الحق والخير ما ألتزم بقواعد الدين وأخلاقه وأدابه ، وبما رسم له من حدود ، وبما سن من شرائع تقوم عليها حياة الفرد والجماعة متوائمتين في توازن ، ولا تطغي فيه الفردية على الجماعية ولا الجماعية على الفردية ، أذ يقوم الوازع الإلهي متسقاً مع وازع الضمير ، ليعرف الفرد واجبه نحو الجماعة ، ولتعرف الجماعة واجبها نحو الفرد ، فحقوق الفرد هي واجب على غيره من الأفراد وعلى الجماعة ، وحقوق الجماعة هي واجب عل الفرد (النجار، 1976: 19) .
كما لا يكلف الإسلام أن يكون الفرد أخلاقياً في سلوكه وتعامله مع الآخرين ، ولا أن يكون المجتمع حريصاً ساهراً على النظام الأخلاقي ، حامياً لمبادئه على النحو الذي تتطلبه المسؤولية الاجتماعية فحسب ، وإنما ينبغي أن يكون المجتمع كله في موقع المسؤولية الجماعية القائم على المبادأة الفردية والجماعية يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر(العوا ،1987 :428) .
أن كل الآداب والأخلاق والتشريعات التي جاءت في القرآن الكريم ذات صبغة اجتماعية واضحة ، وأن الهدف منها تنظيم الحياة في المجتمع الإسلامي على أساس مبادئ العدل والمساواة والحق التي جاء بها الإسلام (العمري،د ، ت : 62).
لقد أكد القرآن الكريم على أهمية العدل بكونه قيمة عليا من السلوك الإنساني النزيه ، التي تعادل فكرة تطبيقه ضرباً من السعادة البشرية فيندحر الشر والفساد وتسود المثل الأخلاقية للسلوك الإنساني (رجب،1988 : 96) ، فالعدل هو الغاية العامة ، وقد ورد العدل في القرآن الكريم بشكل صريح (مدكور،1990: 27) ، قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)(النساء/58) ، فالعدالة في النص القرآني هي نظرية الاستخلاف بمعنى أن الملكية للأشياء هي الله سبحانه وتعالى ، من مال وثروة هو لله ، وأن الإنسان يستخلف عليها وعليه القيام بواجب الاستخلاف خير قيام (حسان، 1989: 68) .
وفي رحاب القرآن الكريم حوار بديع بين الله تعالى والملائكة يكشف لنا الغاية التي من أجلها خلق الله الإنسان ومعرفة هذه الغاية هي الوسيلة إلى معرفة الأسس التربوية التي قامت عليها المنظومة القيمية الأخلاقية القرآنية في بناء شخصية الإنسان المسلم ، والحقيقة أن هذه الأسس هي الدعامة الأساسية التي قامت عليها الفلسفة التربوية الأخلاقية في عملية تنشأة وأعداد وبناء الشخصية المتكاملة للإنسان المسلم وجعله صالحاً كل الصلاح لتحقيق الأهداف والغايات التربوية والأخلاقية التي من أجلها خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان مصداقاً لقوله : (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)(البقرة/30).
ومما لا شك فيه أن الإسلام قدم منظومة قيمية تربوية أخلاقية عامة تأتلف فيما بينها لتكون في مجملها نظرية تربوية أخلاقية تشكل القاعدة الأساسية لكل الممارسات العملية الأخلاقية ( العوا ،1987 : 434) ، وأن المعايير التربوية الأخلاقية الملازمة للنظرية التربوية الأخلاقية الإسلامية التي تتمثل في الكثير من الآيات القرآنية ، وهي تندرج في ثلاث قوائم ، ولكل قائمة تمثل مجالاً معيناً وهي تندرج على النحو الآتي :
1. قائمة من المقررات الإلهية العامة .
2. قائمة من الأوامر الإلهية التي تأمر بأنماط معينة من السلوك لدلالة الأخلاقية وتمثل القيم الإيجابية .
3.قائمة من النواهي الإلهية التي تنهي عن أنماط معينة من السلوك لدلالاته اللاأخلاقية  وتمثل القيم السلبية .
أن الأخلاق الإسلامية هي التزام أكثر منها أوامر ونواهي ، فهي تقوم على الأيمان بالله ، وحب الله ، وطاعة الله ، والولاء لله ، فما لم يكن الأيمان أساس الطاعة والحب أساس الولاء ، لم يكن القهر حافزاً على الالتزام ، لأنه إذا غاب القهر غاب معه الالتزام " فالالتزامات الأخلاقية في الإسلام " ترمي إلى تزويد المؤمن بصفات الله الحسنى ، والارتفاع به فوق الشك والحيرة التي تسيطر على من يزاول حياة لا قيود فيها ولا التزام (النجار،1976: 17).
أن القيم التربوية الأخلاقية الإسلامية تقوم على المحبة ومبناها الأخوة ، والعدل ومبناه المساواة ، والرحمة ومبناها الإحسان والتعاطف والصبر ، والأمر بالمعروف ومبناها حب الخير للآخرين ، والنهي عن المنكر ومبناها كل ما يسيء إلى النفس والى الآخرين (النجار، 1976: 18).
فالقرآن الكريم يعد المثل الأعلى هو الله تعالى فالمثل الأعلى في الأخلاق السامية هو الله ، فالله هو الرحمن ، الرحيم ، الغفار ، الوهاب ، العدل ، اللطيف ، الرزاق ، إلى ما هناك من أسماء الله الحسنى التي تمثل بمجموعها منظومة قيمية تربوية أخلاقية أسمى تمثيل بشكلها غير المحدود وغير المتنامي في السمو ، لذا فالقرآن الكريم يضع القيم التربوية الأخلاقية مثلاً عملياً هي الله تعالى ، وما على الإنسان إلا أن يتسامى ويسعى لتكميل نفسه ورفعها أخلاقياً بقدر ما أوتي من قوة واستيعاب (الجمالي، 1966: 44-45).
فأن لله الأسماء الحسنى التي وصف ذاته بها ، وهو رب العالمين ، وأن العبد أعطى استعدادا للتخلق بأسماء الله مع العبودية لله ، وعلى قدر استغراق الإنسان في عبوديته لله يكون كماله ، فالله مريد ، وجعل للإنسان إرادة ، والله قادر ، وجعل للإنسان قدرة ، والله حي ، وجعل للإنسان حياة ، والله سميع  وجعل الإنسان سميعاً بصيراً ، والله حكيم ، وجعل عند الإنسان استعدادا للحكمة  والله كريم ، وجعل عند الإنسان استعدادا للهداية وما من حسنه لله أو أسم إلا والإنسان عنده استعداد وقابلية للتخلق به ، إلا ما انفردت به الذات الإلهية عن مخلوقاتها  من قدم ووحدانية وبقاء (حوى والفاوجي، 1979 :2/297) .
وبهذا الاستعداد الأخلاقي العظيم عند الإنسان كان أهم شيء في بعثة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم تقويم أخلاق الإنسان ، ورسم الطريق لهذه الأخلاق كي تسير في طريقها الفطري وأن أول الطرق في تزكية النفس البشرية ، ضبط استعداداتها الأخلاقية ، بمعيار العبودية لله ، فلا تظهر خلق من أخلاقها إلا في الحدود التي حددها الله عز وجل للإنسان على لسان الرسل (حوى والفاوجي 1979: 2/296) .
ولذا أكد القرآن الكريم على أهمية الجوانب التربوية الأخلاقية في الوجود في كل آياته ، ويدعو الإنسان إلى تقوى الله والصدق والعدل والتعاون والتسامح والصبر وكظم الغيظ والتواضع والرحمة والمحبة والبذل والتضحية والجهاد إلى ما غيرها من القيم التربوية  الأخلاقية الإسلامية ، كما أنه يشجب الظلم والطغيان والكذب والنفاق والعدوان والبخل والإسراف والغيبة والنميمة والتجسس وشهادة الزور إلى غيرها من الرذائل(الجمالي،1966: 40)، ولذلك فأن أدب الله هو الأدب الكامل ولا كمال سواه ، ثم أن الله ما ترك شيئاً إلا وعلم الإنسان المسلم كيف ينبغي أن يكون سلوكه فيه قال تعالى : (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ)(النحل/89).
لذا فمظهر الكمال والارتقاء في هذه العبودية لله ، أنها قيام بالواجبات كلها التي ينبغي أن يقوم بها الإنسان ، وبعبارة أخرى أنها أداء الحقوق إلى أصحابها فالله حق وللوالدين وللزوجة وللأقارب وللجيران والعمل والحرفة وللمسلمين وللمواطنين وللدولة والإنسانية ولكل ذي حياة جميعها لها حقوق يجب أن تؤدى والإنسان المسلم هو الإنسان الصالح الذي يمنح كل ذي حق حقه وهو بذلك يمارس واجباته الأخلاقية بالشكل الكامل فالأخلاق الإسلامية تسعى إلى تحقيق الكمال للإنسان من خلال الآتي(حوى والفاوجي،1979 : 2/318) .
1. تفجير الطاقات الإنسانية وتوجيهها نحو الطريق الصحيح ، حتى لا تبقى طاقات معطلة .
2.أن كثير من أخلاق النفس تزول وتضمحل لعدم استعمالها وتنميتها ، أما في الإسلام فلا يبقى خلق للنفس إلا وقد نمي من كرم وحنان وحلم وهداية ورحمة وما من خلق للنفس إلا ونمي التنمية السليمة .
3. فالإنسان الكافر تنمو لديه الكثير من الرذائل ، كالحسد والحقد والتعالي والتكبر  أما في الإسلام فأن هذه الظواهر المرضية التي تصيب النفس تجتث أجتثاثاً .
4. يحقق الإنسان المسلم ، حكمه وجوده من خلال التخلق بالأخلاق الإسلامية .
5. أن الأخلاق الإسلامية تجعل الإنسان المسلم يؤدي إلى كل ذي حق حقه أنساناً كان أو حيوانً أو جماداً أو نباتاً فضلاً عن قيامه بحقوق الله رب العالمين وبهذا يكون المسلم وحده هو الإنسان في مكانه الصحيح ، وما عداه فلا تطلق عليه صفة الإنسانية إلا تجوزاً .
والحقيقة أن الإنسان لا تكتمل شخصيته ولا يكون صالحاً إلا إذا أطلقت جميع طاقاته في طريقها الصحيح ، عندئذ يكون كاملاً ، وأن فقد الإنسان لأي صفة من صفاته الأساسية يخرجه عن الصواب ، لذلك كان الإسلام هو الطريق الفطري لتنمية الأخلاق الصالحة للإنسان ، ففرض فيه على الإنسان أن يتخلق بهذه الصفات الأخلاقية التي جاءت بها العقيدة الإسلامية قرأناً وسنة وهي قوة إيجابية فاعلة في بناء المجتمع ، وهي التي تخطط للأفراد سبل التعاون والتفاهم والتوافق مع الناس على أساس من المبادئ والقيم والمثل والمعايير السلوكية الأخلاقية ، فلا شيء أفضل من القيم التربوية الأخلاقية التي أقرها الإسلام في أعداد الإنسان المسلم وبناء شخصيته وصولاً إلى تحقيق المجتمع الإسلامي الأمثل
ومن هنا كانت عناية التربية الأخلاقية بالغة الأهمية ، فهي التوأم مع الحياة الدنيا ، ومما يقوم عليه المجتمع الإنساني السليم ، فليس فيها إغراق أو تطرف يحملها إلى عالم التجريد ، وليس فيها ما يحمل الإنسان فوق طاقاته، وإنما هي من واقع حياة المسلم ما تستقيم معها حياته عل الخير ويستقم بها عقله على الأيمان .
وقد جعلت التربية هدفها الوصول إلى إنسانية تتعايش بمكارم الأخلاق الإسلامية التي رسمها القرآن الكريم والسنة النبوية الوضاءة ، وراعت بعد ذلك طبائع الكثير من البشر ، فأبقت لهم طريق سلوك الحد الأدنى من مكارم الأخلاق مفتوحاً ، وقطعت على غير هؤلاء وهؤلاء طريقهم ، حتى لا تفسد الحياة البشرية  .
وتتسم القيم التربوية الأخلاقية القرآنية بالشمول والتكامل والتناسق بحيث يؤدي امتصاصها والتشبع بها إلى بناء الشخصية الإسلامية الصالحة الواعية ، المؤهلة لأن تفهم وتستوعب ما في الكون والحياة من حولها وتتخذ موقفاً إيجابيا يرتقي إلى مستوى التكريم الإلهي ، وذلك من خلال النسق القيمي التربوي الأخلاقي الذي لم يترك جانباً من جوانب حياة الإنسان إلا أشبعه ، ودفع به ليعمل في تناغم وتناسق وتكامل مع الجوانب الأخرى وصولاً إلى تحقيق الإبداع والابتكار أولاً والحفاظ على ثمراته من الإتلاف ثانياً(مسعود، 1999: 170).
ان القرآن الكريم دستور المسلمين الأخلاقي الذي يضع الموازين التربوية الأخلاقية والمعايير السلوكية التي تهدف إلى إقامة مجتمع إسلامي نقي ، نظيف المشاعر ، مجتمع له آدابه السلوكية والنفسية المتمثلة في مشاعر بعض أفراده تجاه بعضهم الآخر ، وله آدابة السلوكية في معاملاته بعضه مع بعض ، كما كان القرآن مرجع المسلمين في معرفة العبادات والمعاملات ولا سبيل إلى معرفة حـدود الشريعة الصحيحة للديانة إلا بمعرفة الأصل الأول من أصول الدين ، وهو القرآن(العوا، 1987: 843).
أن الله سبحانه وتعالى قد بلغ أحكامه لخلقه بواسطة رسله الذين قامت الحجة على الناس بأنهم رسله بالصفات والمعجزات والإشارة ، وببعثه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )إلى الناس عامة ولم يبق خلق حسن إلا وقد بين حتى تمت مكارم الأخلاق كلها سواء مكارم الأخلاق التي جاء بها الرسل السابقون ، أو مكارم الأخلاق التي اهتدى إليها الناس في كل العصور ، أم مكارم الأخلاق التي كان عليها العرب قبله عليه السلام ، فكانت الرسالة المحمدية جامعة لكل خـــلق حسن قال تعالى( وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)(النساء/26)  وقال تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي)(المائدة/3)، والصيغة التعليمية لهذا الصرح من مكارم الأخلاق الذي وضع الله البشرية أمامه والزمها به ، فمظهرها الكتاب والسنة (حوى والفاوجي،1979 : 322).
لقد أكدت الشريعة المقدسة على ضرورة الأخلاق وأهميتها حتى جعلها أهم السمات والصفات في الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وسلم )قال تعالى مخاطباً نبيه المصطفى : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)(القلم/4)، فقد كان النبي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) يتسم بأخلاقية أصلية هي أخلاقية الفطرة النبيلة ، وقد تجلت في العدالة المبكرة في النظر إلى الأمور ، وفي الانسجام التام بين الصفات الأخلاقية الجليلة ، بمعنى أن أخلاقياته قبل اضطلاعه بمسؤولية الرسول كانت مزيجاً رفيعاً من المثالية والواقعية ، وأن الرسول الكريم أوتي من الحكمة ، منذ الطفولة ، مما جعله قادراً على تفحص الحق والخير والجمال ، وعزل هذه القيم المجيدة عن الباطل والشر وقبح النفس(جاسم، 1987: 59) .
أن النعوت المنسوبة إلى النبي الكريم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) تبين الفضائل الروحية التي أهمها : الفقر ( وهو صفة العبد ) ، ثم الكرم ( وهو صفة الرسول ) وأخيراً الصدق أو الإخلاص ( وهما صفتا النبي الأمي ): (والفقر) عبارة عن انكباب روحاني ، أو هو بالأحرى مظهره السلبي والسكوني ،  أي هو عدم التوسع  ،  وبالتالي ( قهر النفس ) بمعنى ( أخمادنا الشهوات ) والكريم من ناحية قريب من الشرف (فرينجوف ، 1978: 114-115) .
وهكذا يبين لنا القرآن الكريم أن من صفات المؤمنين العزة والكرامة والاعتزاز بقوة الله والوثوق بنصره قال سبحانه وتعالى : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)(المنافقين/8).
لقد كان الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم ) أول من تحلى بالقيم الأخلاقية التي زخر بها القرآن الكريم ، فقد آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وكان صابراً صادقاً عادلاً براً أميناً إلى غير ذلك من القيم الأخلاقية الإسلامية (فرينجون 1978: 92)، وصحيح أن القرآن الكريم يتحدث عن سنة الله بمعنى المبادئ التي تعين أفعاله إزاء الناس ، لكن الدين حفظ السنة للدلالة على أعمال النبي محمد      ( صلى الله عليه وسلم )وعاداته وقدراته التي تؤلف قواعد الحياة الإسلامية على كل المستويات وأن سنته الطاهرة تضم مجموعة من الأبعاد تتمثل : بالبعد المادي ، والخلقي والاجتماعي والروحاني  إلى جانب أبعاد أخرى(فرينجوف، 1978: 117).
إن النبي محمد ( صلى الله عليه وسلم )هو الإسلام ، وتشكل فضائله مثلت رأسه الطمأنينة  الصدق " وقاعدته الكرم – النبل " و " القوة – الصبر " وتتوازن زاويتا القاعدة وتميلان بشكل ما إلى الوحدة في الرأس،أن روح النبي (صلى الله عليه وسلم )هي بالدرجة الأولى توازن وفناء (فرينجوف، 1978: 94).
أن المنظومة القيمية التربوية الأخلاقية تستمد في الإسلام من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، وأن عبارة " مكارم الاخلاق " التي وردت في الحديث الصحيح المروي عن أبي هريرة وهو ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) والحق أن مكارم الأخلاق شاملة لكل المصالح التي شملتها الشريعة المقدسة  والدليل على ذلك وجود رواية أخرى لهذا الحديث عند البخاري لأتمم صالح الأخلاق ، وواضح أن ما يستفاد من أداة الحصر" إنما " ومن اللفظ " صالح " الواردين في هذه الرواية هو أنه حيثما وجدت المصلحة المقترنة بالحكم الشرعي  فثمة أخلاق صالحة وهذا المعنى هو مضمون قول الشاطبي الجامعة : ( الشريعة كلها إنما هي تخلق بمكارم الأخلاق ) ، مع أنه أدرج مكارم الأخلاق في التحسينات في ترتيبه للمصالح الشرعية(عبد الرحمن ،1993: 112).
ولا شك أن السيرة النبوية الوضاءة  أقوالاً وفعالاً تمثل معيناً زاخر بالقيم التربوية والأخلاقية ، فقد وصف سبحانه وتعالى النبي المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) بالأخلاق الفاضلة ، وقد جعل للرسول مهامه الرئيسية بعد البعثة المحمدية غرس القيم التربوية والأخلاقية في الأفراد والجماعات وهذا مصداقاً لقول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ):( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) ، ولعل في قوله ما يبين اهتمام الإسلام بالقيم الأخلاقية العربية الأصيلة ، وأن الدين الحنيف جاء ليتمم مكارم الأخلاق العربية التي كانت سائدة في المجتمع العربي قبل الإسلام ، فلا عجب أن تناولت أحاديثه ( صلى الله عليه وسلم )هذا الأمر ، والتركيز على ضرورة تحلي الإنسان المسلم بالقيم التربوية والأخلاقية ، بل حتى رسمت في حالات كثيرة تفاصيل السلوك المرغوب فيه بتوجيهات سديدة تناولت مختلف تفاصيل الحياة اليومية (الشبلي، 1999: 5).
لقد كانت وظيفة الرسول المصطفى ( صلى الله عليه وسلم )هي تعليم الناس الكتاب والحكمة لإخراجهم من الظلمات إلى النور ، ومن ظلمات الشك والجهل إلى نور اليقين والمعرفة ، ومن هذا النبع الصافي حصل الإنسان المسلم على قيم تربوية وأخلاقية جديدة تعلو من قدره وتسمو به نحو العلى فيكون قادراً على النفع والانتفاع .
ومن أجل هذه المنظومة القيمية التربوية الأخلاقية مضى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة يؤكدان أن الأيمان صحة عقلية ، والكفر مرض وآفة عقلية باستعمال الناس أدوات تفكيرهم من سمع وبصر وقدرات ذهنية استعمالاً عقلياً يصلح أيمانهم ، وإلا فمثلهم كما قال تعالى : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ)(البقرة/171) .
لقد كان الرسول المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم قرأناً يمشي على الأرض ، فقد روي عن قتادة ، كان قد أصيب يوم أحد – فقلت يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )؟ قالت : (ألست تقرأ القـــرآن ؟ قلت : بــلـى ، قالت : أن خلق نبي الله( صلى الله عليه وسلم) كان القرآن )(مسلم ، 1987: 2/169).
وقد أكد الرسول المصطفى عليه أفضل الصلاة على أهمية الأيمان للإنسان المسلم حيث قال : (أن ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الأيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه من سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار )(عبد الباقي، 1994:1/28).
وكذلك يدعو القرآن الكريم وسنة المصطفى إلى تطهير النفس من جميع الرذائل الأخلاقية ، مصدقاً لقوله تعالى : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)(الأحزاب/33)، وهو العمل بما جاء به الإسلام من الأعمال الباطنية والظاهرة (الجزائري،1994: 600)، وهــي تعني بتنمية الروح الأخلاقية ونزعات الخير في نفس المرء لأن التزكية تفيد التطهر مع التمشية وتقوية دوافع العمل الصالح (الرازي، د،ت: 4/75).
كما أكد القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة على أهمية التوكل على الله قال تعالى : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ )( الطلاق /3 )، ومقتضى التوكل أن لا يسأل الإنسان إلا ربه ولا يتعرض لسؤال الناس إلا لضرورة قاهرة  ولا تتنافى حقيقة التوكل مع الأخذ بالأسباب ، مادام المسلم يعتقد أن الآمر كله لله أسند إلى عباده كسباً وفعلاً ، وأقداراً واختياراً ، وأمراً ونهياً ، فإذا أخذ المسلم بالأسباب المشروعة واستعان بالله على نجاح مقاصد فقد حقق التوكل (العمري،د،ت: 62).
كما أن العقيدة الإسلامية تعترف بالميول والغرائز أو الدوافع الفطرية على أساس أنها ليست شراً ولا خير في ذاتها ، وإنما هي قوى وطاقات واستعدادات ضرورية لدوام حياة هذه الطبيعة وتوجيها إلى غاياتها النبيلة في إطار النهج الإسلامي القويم (الخزعلي،2001 : 189)، والقرآن الكريم يشيع ويلبي الميول نحو الاهتمام بالبطولات والشخصيات البطولية الأخلاقية للإقتداء بها مثلما يتضح من بطولة أصحاب موسى ( عليه السلام ) الذين وقفوا إلى جانب الحق في وجه فرعون وأثروا الحق على الباطل ولو كلفهم ذلك حياتهم متحدين تهديدات فرعون ، قال تعالى : (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى* قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى * قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)(طه/70-72) ،إذا يتضح الموقف البطولي لما توعدهم هارون هانت عليهم أنفسهم في الله عز وجل ، قالوا :لن نختارك على ما حصل لنا من الهدى واليقين ففعل ما شئت(أبن كثير، 1994: 214) .
والإسلام يدعو إلى تنمية الوجدان النفسي الإنساني بعرض الصور ذات الطابع الجمالي سواء أكانت في القرآن الكريم أو الحديث النبوي الشريف ، فهما يصوران الكون بجانبيه الحسي والمعنوي بما فيها من مخلوقات ، إذا يدعوان الإنسان إلى تذوق وتدبير جمال الخلق وإبداعه وتناسقه قال تعالى : (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ)(الحجرات/16).
وأهتم القرآن الكريم والسنة النبوية الطاهرة بالصحة النفسية السليمة وأكد على أهميتها في حياة  الإنسان وذلك من خلال الأيمان الذي يقود إلى تحقيق السعادة جاعلاً للحياة قيمتها ، قال تعالى (فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى)(طه/123) البعد عن طريق الهدى لا يشعر بالغبطة والسعادة وأن أتسع رزقه(الجزائري، : 3/227) فلا طمأنينة ولا انشراح لصدره فهو في قلق وحيرة وشك (أبن كثير ، 1994: 16/227) .
أن الأيمان بالله تعالى ضمان لوحدة القيم الأخلاقية للإنسان ، ولوحدة القوى الدافعة نحو العمل بالقيم الأخلاقية ، لتحقيق طمأنينة وسلامة وسعادة الفرد والمجتمع (الجمالي، د، ت: 1978 : 139) ، وهما يهتمان بالنفس الإنسانية بمختلف جوانبها من عقل وجسم ووجدان وروح ، وبقدر ما يكون بين هذه الجوانب من توافق وانسجام يحصل التكامل في شخصية الإنسان ليتحقق له تقدمه وسعادته ، وغير ذلك يعود بالضرر على الفرد والمجتمع معاً ، لذا ينبغي التعامل مع هذه الجوانب بشكل متوازن ومعتدل دون تغليب جانب على آخر(خزعلي، : 237) .
فضلاً عن ما تقدم آنفاً فأن الإسلام قد اعتنى عناية بالغة بتشكيل الضمير الأخلاقي عند الإنسان المسلم من حيث تربيته ، وكلما نجحت التربية بإيجاد ضمير ديني وخلقي حي كانت التربية أكثر نجاحاً واقتراباً في خلق الإنسان المؤمن الصالح ، مما ينعكس بالتالي على أيجاد المجتمع الصالح القادر على التعامل مع متغيرات العصر ومطالبه ، فالضمير الفعال في صاحبه له سلطة أقوى من سلطة القانون والرقابة الاجتماعية .
أن تربية الضمير الأخلاقي عند الإنسان وتهذيبه من أخطر المهام التي يتعلق بها مصيره ويتوقف عليها ضمان سعادة الفرد وتماسك المجتمع ، ولذا كان من الضروري أن يوضع لها من القواعد والأسس ما يتناسب مع دقة مهمتها وجلال رسالتها ، لأن أي انحراف من المنطلق الأساسي سيؤدي في النهاية إلى الضياع والهلاك ، وخطر الانحراف من تربية الضمير ، أو إهمال تربيته ، هو في ذلك الامتداد والتوسع الذي يشمل كل جزء من أجزاء النشاط الإنساني(الخطيب، 1973: 224) .
ولذا كان اهتمام الإسلام بسمو النفس وتربية الضمير وتطهيره وكان " لابد أن ينبثق من تصور الإنسان للكون والوجود ، الذي يعتمد على أن لهذا الكون إلهاً ، وأنه ما من إله غيره خلق الكون واوجده ، وهذا الكون يسير بانتظام مذعناً لأمر الله ومشيئته ، والإنسان جزء من هذا الكون ، خلقه الله بطبيعته متميزة لعبادته والانقياد لأمره ، ولا معنى لحياته إلا أن تكون خالصة العبودية لله "(سيد قطب،1978: 229) ومن منهج الإسلام في السمو بالنفس وتطهير الضمير ، رد كل شيء من انفعال الإنسان وحركاته ، ونواياه وتطلعاته ، وأقواله وأفعاله ، إلى الله عز وجل ، فهو الذي يعلم ما فـي نفوس عباده ، وما وراء سلوكهم الظاهري ، وما يقولون أو يفعلون (الخطيب1973: 229). قـال تعالــى (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا)(الأسراء/25).
والإسلام يدعو المسلم أن يغذي نفسه بالأيمان ، فعلى أساس هذه الحقيقة يسمو الإنسان بنفسه إلى الفضائل ومكارم الأخلاق ، ويحيا ضميره على اليقظة والخشية ، ومراقبة الله عز وجل في السر والعلن ، وبذلك يظل المؤمن في نجوه من الانزلاق ، والوقوع في المعاصي والأثام ، ويقيم من ضميره اليقظ ونفسه اللوامة ومراقبة الله عز وجل وذكره ، حارساً يرغبه في الخير والاستقامة ، ويحذره من الشر والانحراف( الخطيب،1973: 229).
أن اهتمام العقيدة الإسلامية بالضمير الأخلاقي من حيث تربيته وتكوينه كان من خلال الوجوه الثلاثة التالية(قابيل ، 1984: 94) :
1.الوجه الأولى : يتعلق بتربية الضمير الأخلاقي من حيث هو قدرة أودع الله فيه إمكانية أدراك الخير والشر ، ولكنها لا تتمكن من البداية ( عند الصغار ) أيثار الخير على الشر ، أو ترجيح الخير على الشر ، وهنا يأتي دور التربية الأخلاقية التي ينبغي أن توفر للإنسان منذ طفولته لضمان أن ينشأ وينمو الخير ويمنعه عن ارتكاب الشر ، ومسؤولية هذا تقع على الوالدين .
 2.الوجه الثاني : يتعلق بالإنسان الناضج إذا أخطأ ، والإنسان بطبعه غير معصوم من الخطأ ، وقد أولى الفكر الأخلاقي في الإسلام قضية الرضا عن فعل الخير والتوبة والندم على فعل الشر أهمية كبيرة ، وهو ما يعرف باسم محاسبة النفس باستمرار عما تأتي من أفعال .
 3.الوجه الثالث : حماية الضمير الأخلاقي مما يقوم عائقاً في سبيل تكوينه وفي سبيل آدائه لوظيفته وهذا العائق يكمن في الجانب الحيواني من الإنسان الذي يشده باستمرار نحو إرضاء ما فيه من هوى وغرائز ونزعات حيوانية منها وفي هذا الصدد يقول الأمام الغزالي : " أعلم أن نفسك أشد عدوة لك " (الغزالي، 1397هـ: 81).
 مسلمات النظرية التربوية الأخلاقية في الإسلامي فهي :
  1.  مسلمة الصفة الأخلاقية : ويقصد بها أنه لا إنسان بغير أخلاق ، فلا يخفى أن للأخلاق الحسنة صفات مخصوصة الأصل فيها معان شريفة أو قيم عليا ، كما لا يخفى أنه ليس في كائنات هذا العالم مثل الإنسان تطلعاً إلى التحقق بهذه المعاني والقيم ، بحيث يكون له من وصف الإنسانية على قدر ما يتحقق به منها ، فإذا ازدادت هذه المعاني والقيم زاد هذا الوصف وإذا نقصت نقص
وتترتب على المسلمة الأولى ثلاث حقائق هي:
الحقيقة الأولى: أن هوية الإنسان أساساً ذات طبيعة أخلاقية .
الحقيقة الثانية: أن هوية الإنسان ليس رتبة واحدة ، وإنما رتب متعددة فقد يكون الواحدة من الجماعة أنساناً اكثر أو أقل من غيره .
الحقيقة الثالثة: أن هوية الإنسان ليست ثابتة ، وإنما متغيرة ، فيجوز أن يكون الفرد الواحد في طور حياته أنساناً أكثر أو أقل منه في طور سواه.
2. مسلمة الصفة الدينية للأخلاق : ويعني بها أنه لا أخلاق بغير دين ، والراجح أن هذه المسلمة لا تطبقها فئة من الناس ، نذكر منهم على الخصوص العلماني الذي لا يقر إلا بسلطان العقل المجرد ، فلا مجال عنده للوحي(عبد الرحمن،1993 : 148).
وخلاصة القول أن القيم الأخلاقية قد تبنى عند الإنسان وفق طريقتين هما :
الطريقة المباشرة : وهي تعني تلقي خبر هذه القيم من الوحي الإلهي   والتأسي فيها بالرسول الذي جاء بهذا الوحي.
الطريقة غير مباشرة : وهي تقوم من خلال اقتباس الأخلاق من الدين مع العمل على إخراجها عن وضعها الديني الأصلي أو مع التستر المبيت على أصلها الديني كما يقوم في اللجوء إلى القياس على الأخلاق الدينية فيما يستنبط من أخلاق وضعية (العقاد ،1971: 425).
وتأسيساً على ما تقدم ، فأن الأخلاق التي يسمو بها الإنسان إلى مرتبة التبعة والحساب أو المسؤولية الأدب والشريعة والدين ، هي كما لا يخفي أخلاق تكليف وإرادة وليست أخلاق اجبار وتسخير(العقاد ، 1971: 425)، وهي أخلاق نابعة من مصدري الإسلام القرآن الكريم والسنة النبوية السمحاء ، اللذان يعدان من أهم العوامل المؤثرة في نمو الأخلاق وتشكلها بإعطائها الطابع الإسلامي من خلال الأيمان بقدرة المنظومة القيمية التربوية الأخلاقية القرآنية على التمسك بالجوانب الإيمانية وقدراتها على التصدي لكل المشكلات التي تواجه مجتمعنا الإسلامي اليوم .
أن هذه الأخلاق الكاملة التي جمعت كل خلق حسن عرفته البشرية من قبل، والتي أعطت البشرية الصورة الثابتة الوحيدة لصرح الكمال الأخلاقي في كل شيء بمقدار ما يحمل نفسه عليها ترتقي إنسانيته ، وبمقدار ما يتخلى عن جزء منها سيسقط ويهبط، فهما الميزان التي توزن به صفة الإنسانية عند البشر ، فمن أخذ حظه منها كاملاً كان الإنسان الكامل، ومن أخذ بعضاً منها كان نقصه بمقدار ما فرط ولا يحصل عليها الإنسان كاملاً إلا إذا غاص في بحار القرآن الكريم والسنة النبوية الطاهرة (حوى والفالوجي، 1979: 323)، فالحق أن القرآن كتاب أخلاق، والسيرة النبوية هي هذه الأخلاق مطبقة .

د.عبد الكريم علي  اليماني

qream_alymany@yahoo.com
 

ليست هناك تعليقات:

بحث هذه المدونة الإلكترونية

العربية نت

وما نيل المطالب بالتمنى ... ولكن تؤخذ الدنيا غلابا