السبت، 25 يناير 2014

مفهــــوم القيــــم في ضوء القران الكريم والسنة النبوية






مفهــــوم القيــــم في ضوء القران الكريم والسنة النبوية

ان موضوع القيم قديم قدم الإنسان نفسه ، وقـد تناوله الفلاسفة وعلماء الاقتصاد وعلماء التربية وعلماء النفس ولقد لقيت دراسة القيم عناية كبيرة واهتماماً عظيما من رواد الفكر الفلسفي وأقطاب الدراسات الأخلاقية القدماء والمعاصرين.
وقد عرف هؤلاء الفلاسفة القدامى  والمحدثين مفهوم القيمة ، ولكنهم عبروا عنها بأسماء متنوعة (الخير) (والخير الأسمى) (والكمال) ، فعندما تعرض أفلاطون وديكارت لبحث مشكلة القيمة لم يلجأ فصلها عن مشكلة الواقع . اذ بدأ الواقع في نظر كلا الاثنين يخضع لمبدأ سماه أفلاطون بالخير وسماه ديكارت بالكامل او الله .. وهذا المبدأ يمثل قيمة الوجود وقيمة الكمال على السواء ، فثمة تطابق بين القيمة والماهية والوجود  كما ان هناك تماثلاً في مراتبها ( فال، 1967، 419).
وما فلسفة أفلاطون في جوهرها ومضمونها الا فلسفة قيم وان كانت فلسفته تنصب على عالم الوجود كله، فان الغرض الأقصى لتأمله الفلسفي هو (الخير) الذي يدرك بكونه أساس الوجود والمعرفة على السواء (جويك ،1949 :114) فيقول أفلاطون على لسان سقراط ان صورة الخير هي موضوع العلم الأسمى وان امتزاج هــذا الجوهر بالأشياء العادلة، وسائــر الأجسام المخلوقة يجعلها نافعة ومفيدة ( أفلاطون، د ، ت :198).
وفي الوقت الذي اتجه فيه الفلاسفة الكلاسيكيون إلى القول بوجود علاقة بين القيمة والكينونة، رأى كانت الالماني ( 1724-1804) وجود تعارض بينهما من جانب وهذا واضح جـلي في نظريته عن القيم الأخلاقية التي تخضع لفكرة الواجب، فعالم القيم في نظره،وكذلك عالم الأشياء في ذاتها موصدة امام فهمنا النظري ، ولكنه منفتح امام عقلنا العملي  ففي الأول ليس هناك اية علاقات خاصة بالقيم ، أما الآخر ففيه وفرة في العلاقات المرتبطة بالقيم
(فال، 1967:419) .
ولكن (كانت) في آخر كتبه النقدية (نقد الحكم) قد اتجه إلى القول بوجود قيمة داخل العالم الواقعي تعتمد على التنظيم والغائية الكامنة ، وقام بتحليل هذه القيمة عندما تحدث عن الاستاطيق وعلم الكائنات الحية ( فال ،1967 :420 )، وان اول مـن استعمل لفظة (القيمة) وحلل فكرة القيمة من الناحية الفلسفية هو لوتس (LOTIZE) (رويه ، 1960: 3)  واللاهوتي ريتشل (Ritachi) وعلماء الاقتصاد النمساويين بوجه خاص أمثال مانجر(Menger) وفون وايزر(Von Wieser) وفون بوم بافرك (Von Bohm baverk) ) ثم اهتدى نيتشه بعد ذلك إلى نظريته التي تهدف إلى إعادة تقويم كل القيم، ويـرى نيتشه ما يراه رجال الدين من ان مرجع الحكم بالخيرية والشرية هو الله بأوامـره ونواهيه او العقل العملي العام لدى الناس جميعاً كما يرى( كانت) ان مرد ذلك في رأيه إلى الطبيعة الإنسانية الخاصة وما فيها من غرائز، وبذلك يكـون لكل طائفة متماثلة تقديرها الخاص للأعمال الأخلاقية  (موسى، 1953 : 283).
وتمثل فلسفة القيم كما ظهرت عند لوتس،  وكما تمت تنميتها بعد ذلك عند فلاسفة كثيرين آخرين ، محاولة لإعادة الكشف عن نوع من الوحدة في النواحي التي تعرضت للتصدع بتأثير الثورة الكانتية ، وحدث ذلك في العهد الذي بوغت فيه الإنسان بمواجهته عالم خال من القيم وهذا يعني ان نظريات القيمة لا تظهر الا في اللحظات التي يقل فيها الشعور بالقيمة في ذاتها، أي عندما يتضاءل الشعور بالقيمة فنحن نحيا في عالم يمكن مقارنته بالكهف الذي أشير أليه في كتاب   الجمهورية كما  هو موجود( فال ، 1967: 420-421)، وهكذا ذاع استعمال كلمة (القيمة) بين جمهرة المثقفين  وهكذا أخذت نظريات القيمة المكانة الأولى في المانيا حوالي 1900 وفي إنجلترا وأمريكا عام 1910 اما في فرنسا فقد ظل الأمر على عكس ذلك  على الرغم من أن بعض البحوث المهمة التي نشرت متفرقة ، ودام ذلك حتى السنوات الأخيرة (رويه ، 1960: 4).
والواقع ان أهمية دراسة القيم لا تقف داخل نطاق الفكر الفلسفي وحده بل تتعداه  فالقيم من المفاهيم الجوهرية في جميع ميادين الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وهي تمس العلاقات الإنسانية بكافة صورها، وذلك لأنها( ضرورة اجتماعية )، ولأنها معايير واهداف لابد ان تجدها في كل مجتمع منظم سواء اكان متأخرا ام متقدما فهي تتغلغل في الأفراد في شكل اتجاهات ودوافع وتطلعات، وتظهر في السلوك الظاهري الشعوري واللاشعوري، وفي المواقف التي تتطلب ارتباط هؤلاء الأفراد تعـبر القيم عن نفسها في قوانين وبرامج التنظيم الاجتماعي والنظم الاجتماعية ( ذياب ، 1966 :16)، وان النشاط القيمي يتجلى اكثر ما يتجلى، في أولوية الإرادة، وقد اختص الذكاء بإتاحة الفرصة أمامها لتعي ذاتها وتعي غاياتها، وان أصالة القيمة لتتكثف في ملتقى تحول الشيء الممكن إلى شيء موجود ومتحول يبدو وكأنه يتبع مشيئتنا وحدها . ولكن النشاط القيمي لا يزيد في جوهره عن انه  نشاط تفضيلي او ترجيح أي نشاط ( شعور بما يستلزم الوجود) وبما يستلزم ان وجد، ولابد من الانتباه إلى ان هذا التفضيل لا يحيل إلى حركة آلية وسير آلي لان السير الآلي جملة حركات حسب بنية سابقة .. مثال ذلك الة متحركة تستطيع أحداث النتائج التي هيأت لأحداثها. ولكنها لا تقوم الا بدور وسيط بين الفاعل الذي يراها وبين النتائج الناجمة عن حركتها، وهذا النوع من النشاط يباين النشاط القيمي المنصف  بان له وحدة ذاتية، وقصدا شعوريا يتطلع إلى غاية ومعرفة تتعالى على ما تحقق  من مراحلها حتى تنجز وحدة وجودها في حيز الوجود ( العوا ، 1987: 218) لمفهوم القيم التي قدمها المشتغلون والمؤلفون في هذا المجال وكذلك اختلافهم في طريقة واسلوب تناولها وقياسها . فان هناك مجموعة من الخصائص المشتركة بين تلك التعريفات والتي لخصها ( شوار تزوبلسكي ): ( في انها عبارة عن مفاهيم او تصورات للمرغوب  تتعلق بضرب من ضروب السلوك، او غاية من الغايات ، وتسمو او تعلو على المواقف النوعية ، ويمكن ترتيبها حسب أهميتها النسبية)(Structre,1987.550-562 )، وفي ضوء ما تقدم ان تناولنا لمفهوم القيم في بحثنا الحالي كونها تكشف (عن الأحكام التي يصدرها الفرد بدرجات معينة من التفضيل او عدم التفضيل للموضوعات او الأشياء وذلك في ضوء تقوية هذه الموضوعات، أذ ان هذه العملية تتم من خلال التفاعل بين الفرد بمعارفه وخبراته ، وبين ممثلي الإطار الحضاري الذي يعيش فيه ويكتسب من خلاله هذه الخبرات والمعارف).
ان مفهوم القيم من المفاهيم التي يتوافر استعمالها عندما يتناول حديث الناس عن المهم والخطير في الأمور، فهو من المفاهيم التي تستخدم مثلا عند الحديث عن انقسام العالم إلى معسكرين ثم هو مـن المفاهيم التي تستعمل للمقارنة بين النظم الاقتصادية والسياسية والعلاقات الإنسانية فـي المجتمعات البشرية .. وهو ايضا من المفاهيم التي تستخدم عند الحديث عن مستقبل العالم ومصير الإنسانية، ولا يقتصر حديث القيم على المشكلات العامة ذات الطابع القومي او الدولي فحسب بل نجده يتناول كذلك سلوك الأفراد ، والقيم في هذا المجال من الوسائل الهامة في التمييز بين أنماط حياة الأفراد والجماعات (عماد الدين وآخرون ، 1962: 4) وخلاصة القول ان القيم تتغلغل في  حياة الناس أفراد وجماعات ترتبط عندهم بمعنى الحياة ذاتها لأنها ترتبط ارتباطا  وثيقا بدوافع السلوك والآمال والأهداف . ويعد مفهوم القيم من المفاهيم التي حظيت باهتمام المؤلفين من تخصصات مختلفة، وقد نتج عن ذلك نوع من الخلط والتباين  في استخدام هذا المفهوم من تخصص لأخر، بل ويستخدم استخدامات متعددة داخل التخصص الواحد، فلا يوجد تعريف واحد لمفهوم القيم يأخذ بها جميع المشتغلين فـــي مجال علم النفس الاجتماعي ـ كموضوع يقـع في دائرة اهتمامه( Muguire , 1985.233-364 ).

د.عبد الكريم علي  اليماني
qream_alymany@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

بحث هذه المدونة الإلكترونية

العربية نت

وما نيل المطالب بالتمنى ... ولكن تؤخذ الدنيا غلابا